كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قرأ حمزة {يُذْكَرِ} بتسكين الذال، وضم الكاف.
يعني: يذكر ما نسي، إذا رأى اختلاف الليل والنهار.
وقرأ الباقون بالتشديد {يُذْكَرِ} وأصله يتذكر يعني: يتعظ في اختلافهما، ويستدل بهما {أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} يعني: العمل الصالح ويترك ما هو عليه من المعصية.
ويقال: {أَوْ أَرَادَ شُكُورًا}، أو أراد توحيدًا وإقرارًا، فيمكنه ذلك قوله عز وجل: {وَعِبَادُ الرحمن الذين يَمْشُونَ} يعني: وإن من عباد الرحمن عبادًا يمشون {على الأرض هَوْنًا} يعني: يمضون متواضعين، وهذا جواب لقولهم {وَمَا الرحمن أَنَسْجُدُ}؟ فقال: الرحمن الذي جعل في السماء بروجًا، وهو الذي له عباد مثل هؤلاء.
يعني: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن كان مثل حالهم، وهذا كقوله: {جنات عَدْنٍ التي وَعَدَ الرحمن عِبَادَهُ بالغيب إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} [مريم: 61] وكقوله: {والذين اجتنبوا الطاغوت أَن يَعْبُدُوهَا وأنابوا إِلَى الله لَهُمُ البشرى فَبَشِّرْ عِبَادِ} [الزمر: 17] الآية.
وقال مجاهد: يمشون على الأرض هونًا في طاعة الله متواضعين.
ويقال: هونًا، أي: هينًا لا جور فيه على أحد، ولا أذى.
ويقال: هونًا يعني: سكينة ووقارًا.
وحلمًا.
{وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون} يعني: كلمهم الجاهلون بالجهل {قَالُواْ سَلاَمًا} يعني: سدادًا من القول.
ويقال: ردوا إليهم بالجميل.
وقال الحسن: أي حلمًا لا يجهلون، وإن جهل عليهم حلموا.
وقال الكلبي: نسخت بآية القتال.
وقال بعضهم: هذا خطأ، لأن هذا ليس بأمر، ولكنه خير من حالهم، والنسخ يجري في الأمر والنهي ثم وصف حال لياليهم فقال عز وجل: {وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجَّدًا} يعني: يقومون بالليل في الصلاة سجدًا {وقياما} يعني: يكونون في ليلتهم مرة ساجدين، ومرة قائمين.
وروي عن ابن عباس أنه كان يقول: من صلى ركعتين أو أربعًا بعد العشاء، فقد بات لله ساجدًا وقائمًا، ثم وصف خوفهم فقال: إنهم مع جهدهم خائفون من عذاب الله عز وجل، ويتعوذون منه فقال عز وجل: {والذين يَقُولُونَ} يعني: عباد الرحمن {رَبَّنَا اصرف عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} يعني: لازمًا لا يفارق صاحبه.
وقال بعض أهل اللغة: الغرام في اللغة أشد العذاب.
وقال محمد بن كعب القرظي: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا}.
قال: سألهم عن النعم، فلم يأتوا بثمنها، فأغرمهم ثمن النعم، وأدخلهم النار ثم قال: {إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} يعني: بئس المستقر، وبئس الخلود، والمقام الخلود كقوله: {الذى أَحَلَّنَا دَارَ المقامة مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} [فاطر: 35] يعني: دار الخلود.
ويقال: نصب المستقر للتمييز، ومعناه لأنها ساءت في المستقر.
ثم قال عز وجل: {والذين إِذَا أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ} وقرأ نافع وابن عامر {يَقْتُرُواْ} بضم الياء وكسر التاء.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {لَمْ يَقْتُرُواْ} بنصب الياء وكسر التاء.
وقرأ أهل الكوفة بنصب الياء، وضم التاء، ومعنى ذلك كله واحد.
يعني: لم يسرفوا، فينفقوا في معصية الله، ولم يقتروا فيمسكوا عن الطاعة {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} يعني: بين ذلك عدلًا ووسطًا.
وقال الحسن: ما أنفق الرجل على أهله في غير إسراف ولا فساد، ولا إقتار، فهو في سبيل الله تعالى.
وقال مجاهد لو كان لرجل مثل أبي قبيس ذهبًا، فأنفقه في طاعة الله، لم يكن مسرفًا، ولو أنفق درهمًا في معصية الله تعالى كان مسرفًا.
ثم قال عز وجل: {والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها ءاخَرَ} يعني: لا يشركون بالله.
ويقال: الشرك ثلاثة: أولها أن يعبد غير الله تعالى، والثاني أن يطيع مخلوقًا بما يأمره من المعصية، والثالث أن يعمل لغير وجه الله تعالى، فالأول كفر والآخران معصية ثم قال: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق} أي إلا بإحدى خصال ثلاث وقد ذكرناه.
{وَلاَ يَزْنُونَ} يعني: لا يستحلون الزنى، ولا يقتلون النفس {وَمَن يَفْعَلْ ذلك} يعني: الشرك والقتل والزنى {يَلْقَ أَثَامًا} قال الكلبي يعني: عقابًا في النار، وذكر عن سيبويه والخليل أنهما قالا: معناه جزاء الآثام.
ويقال: الآثام العقوبة وقال الشاعر:
جَزَى الله ابْنَ عُرْوَةَ حِينَ أَمْسَى ** عَقُوقًا فَالْعُقُوقُ لَهُ أَثَامُ

أي عقوبة ثم قال عز وجل: {يضاعف لَهُ العذاب يَوْمَ القيامة وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} يعني: في العذاب صاغرًا يهان فيه.
قرأ عاصم {يضاعف لَهُ} بالألف، وضم الفاء.
وقرأ ابن عامر وابن كثير {يضاعف} بغير ألف، والتشديد، وجزم الفاء.
وقرأ الباقون {يضاعفون} بالألف، وجزم الفاء.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر، {القيامة وَيَخْلُدْ} بضم الدال.
وروى حفص عن عاصم وابن كثير، {وَيَخْلُدْ} بالإشباع، والباقون بجزم الدال.
ثم قال عز وجل: {إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ} يعني: تاب من الشرك والزنى والقتل، وصدَّق بتوحيد الله تعالى: {وَعَمِلَ صالحا فَأُوْلَئِكَ يُبَدّلُ الله سَيّئَاتِهِمْ حسنات} يعني: مكان الشرك الإيمان، ومكان القتل الكف، ومكان الزنى العفاف، ومكان المعصية العصمة والطاعة.
ويقال: إنه يبدل في الآخرة مكان عمل السيئات والحسنات.
وروي عن ابن مسعود أنه قال: إن يوم القيامة إذا أعطي الإنسان كتابه لينظر في كتابه فيرى أوله معاصي، وفي الآخر حسنات، فلما رجع إلى أول الكتاب، رآه كله حسنات.
روى أبو ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يُعْرَضُ عَلَيْهِ أَصَاغِرُ ذُنُوبِهِ، وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنَ الكَبَائِرِ أَنْ تَجِيءَ ذُنُوبُهُ العِظَامُ، فَإِذَا أَرَادَ بِهِ خَيْرًا قِيلَ: أَعْطُوهُ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً فَيَقُولُ: يَا ربّ إِنَّ لِي ذُنُوبًا مَا أرَاها هنا» قال: ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، ثم تلا: {فَأُوْلَئِكَ يُبَدّلُ الله سَيّئَاتِهِمْ حسنات}.
وذكر عن أبي هريرة أنه قال: خرجت من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألتني امرأة في الطريق فقالت زنيت، ثم قتلت الولد، فهل لي من توبة؟ فقلت: لا توبة لك أبدًا. ثم قلت: أفتيتها ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، فرجعت إليه، فأخبرته بذلك فقال: «هَلِكْتَ وَأهْلَكْتَ، فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ هذه الآية. {والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها ءاخَرَ} إلى قوله: {فَأُوْلَئِكَ يُبَدّلُ الله سَيّئَاتِهِمْ حسنات}» فخرجت وقلت: من يدلني على امرأة سألتني مسألة، والصبيان يقولون: جن أبو هريرة حتى أدركتها، وأخبرتها بذلك فسرت. وقالت: إن لي حديقة جعلتها لله ولرسوله.
وقال بعضهم: هذه الآية مدنية نزلت في شأن وحشي وقال بعضهم الآية قد كانت نزلت بمكة فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى وحشي ثم قال تعالى: {وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا} يعني: غفورًا لما فعلوا قبل التوبة لمن تاب رحيم بالمؤمنين بعد التوبة.
{وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صالحا} يعني: تاب من الشرك والمعاصي، وعمل صالحًا بعد التوبة {فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى الله مَتابًا} يعني: مناصحًا لا يرجع.
ويقال: متابًا له في الجنة.
ويقال: {مَتابًا}.
يعني: توبة.
يعني: يتوب توبة مخلصة ثم قال: {والذين لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ} يعني: لا يحضرون مجالس الكذب والفحش والكفر {وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ} يعني: مجالس اللهو والباطل {مَرُّواْ كِرامًا} يعني: حُلماء عُلماء معرضين عنها.
وقال القتبي: مروا كرامًا لم يخوضوا فيه، وأكرموا أنفسهم.
ثم قال عز وجل: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكّرُواْ بئايات رَبّهِمْ} يعني: وعظوا بالقرآن {لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا} يعني: لم يقعوا عليها {صُمًّا وَعُمْيَانًا} يعني: لا يسمعون ولا يبصرون، ولكنهم سمعوا وانتفعوا به.
وهذا قول مقاتل.
وقال القتبي: لم يخروا عليها، أي لم يتغافلوا عنها، فكأنهم صم لم يسمعوها عمي لم يروها.
ثم قال عز وجل: {والذين يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أزواجنا وذرياتنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} يعني: اجعل أزواجنا وذريتنا من الصالحين، تقر أعيننا بذلك.
ويقال: وفقهم للطاعة، واعصمهم من المعصية، ليكونوا معنا في الجنة، فتقر بهم أعيننا.
قرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر، {وذرياتنا} بلفظ الوحدان.
وقرأ الباقون {وذرياتنا} بلفظ الجماعة، ثم قال: {واجعلنا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} يعني: اجعلنا أئمة في الخير يقتدي بنا المؤمنون، كما قال: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخيرات وَإِقَامَ الصلاة وَإِيتَاءَ الزكواة وَكَانُواْ لَنَا عابدين} [الأنبياء: 73] أي: قادة في الخير.
وروي عن عروة، أنه كان يدعو بأن يجعله الله ممن يحمل عنه العلم، فاستجيب دعاؤه.
وروي عن مجاهد معناه: واجعلنا ممن نقتدي بمن قبلنا، حتى يقتدي بنا من بعدنا.
ويقال: معناه اجعلنا ممن يقتدي بالمتقين، ويقتدي بنا المتقون، فهذا كله من خصال عباد الرحمن، من قوله: {وَعِبَادُ الرحمن} إلى هاهنا.
فوصف أعمالهم، ثم بيّن ثوابهم فقال عز وجل: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الغرفة} يعني: غرف الجنة كقوله: {لكن الذين اتقوا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار وَعْدَ الله لاَ يُخْلِفُ الله الميعاد} [الزمر: 20] {بِمَا صَبَرُواْ} يعني: صبروا على أمر الله تعالى في الدنيا، وعلى طاعته {وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا} يعني: في الجنة {تَحِيَّةً} يعني: التسليم {وسلاما} يعني: سلام الله تعالى لهم.
قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر.
وإحدى الروايتين عن ابن عباس، {وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا} بنصب الياء، وجزم اللام، والتخفيف.
وقرأ الباقون {وَيُلَقَّوْنَ} بضم الياء ونصب اللام، وتشديد القاف، فمن قرأ بالتخفيف، يعني: يلقي بعضهم بعضًا بالسلام، ومن قرأ بالتشديد يعني: يجيء إليهم سلام الله، يعني: يلقى إليهم السلام من الله تعالى.
ثم قال عز وجل: {خالدين فِيهَا} يعني: دائمين في الجنة {حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} يعني: موضع القرار، وموضع الخلود قوله عز وجل: {قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبّى لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ} يقول: ما يفعل بكم ربي لولا عبادتكم.
ويقال: ما يفعل بعذابكم لولا عبادتكم غير الله تعالى.
ويقال: ما ينتظر بهلاككم، لولا عبادة من يعبدوني، لأنزلت عليكم عذابي.
ويقال: لولا دعاؤكم يعني: يقول لولا إيمانكم ثم قال عز وجل سبحانه: {فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} يعني: عذابًا يلزمهم، فقتلوا ببدر، وعجلت أرواحهم إلى النار، فتلك عقوبتهم فيها.
ويقال: {لِزَامًا} يعني: موتًا.
قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه خمس قد مضين من ذلك اللزام، واللزم والقمر والدخان والبطشة.
ويقال: ما يحتاج بعذابكم لولا عبادتكم الأصنام.
ويقال: ما يفعل الله بعذابكم لولا عبادتكم غير الله.
ويقال: ما ينتظر بهلاككم لولا عبادة من يعبدني، لأنزلت عذابي إلى غير ذلك، والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد. اهـ.